سورة الشعراء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)}
أي: وما يجدد لهم الله بوحيه موعظة وتذكيراً، إلاّ جددوا إعراضاً عنه وكفرا به.
فإن قلت: كيف خولف بين الألفاظ والغرض واحد، وهي الأعراض والتكذيب والاستهزاء؟ قلت: إنما خولف بينها لاختلاف الإعراض، كأنه قيل: حين أعرضوا عن الذكر فقد كذبوا به، وحين كذبوا به فقد خفّ عندهم قدره وصار عرضة للاستهزاء والسخرية؛ لأنّ من كان قابلاً للحق مقبلاً عليه، كان مصدقاً به لا محالة ولم يظنّ به التكذيب. ومن كان مصدقاً به، كان موقراً له {فَسَيَأْتِيهِمْ} وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة {مَا} الشيء الذي كانوا يستهزءون به وهو القرآن، وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم.


{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)}
وصف الزوج وهو الصنف من النبات بالكرم، والكريم: صفة لكل ما يرضي ويحمد في بابه، يقال: وجه كريم، إذا رضي في حسنه وجماله، وكتاب كريم: مرضيّ في معانيه وفوائده، وقال:
حَتَّى يَشُقَّ الصُّفُوفَ مِنْ كَرَمِهْ ***
أي: من كونه مرضياً في شجاعته وبأسه. والنبات الكريم: المرضي فيما يتعلق به من المنافع {إِنَّ فِى} إنبات تلك الأصناف {لآيَةً} على أن منبتها قادر على إحياء الموتى، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم، غير مرجو إيمانهم {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} في انتقامه من الكفرة {الرحيم} لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.
فإن قلت: ما معنى الجمع بين كم وكل، ولو قيل كم أنبتنا فيها من زوج كريم؟ قلت: قد دلّ {كُلٌّ} على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و{كَمْ} على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، فهذا معنى الجمع بينهما، وبه نبه على كمال قدرته.
فإن قلت: فما معنى وصف الزوج بالكريم؟ قلت: يحتمل معنيين، أحدهما: أن النبات على نوعين: نافع وضارّ، فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع، وخلى ذكر الضارّ.
والثاني: أن يعم جميع النبات نافعه وضارّه. ويصفهما جميعاً بالكرم وينبه على أنه ما أنبت شيئاً إلا وفيه فائدة، لأنّ الحكيم لا يفعل فعلاً إلا لغرض صحيح ولحكمة بالغة، وإن غفل عنها الغافلون، ولم يتوصل إلى معرفتها العاقلون.
فإن قلت: فحين ذكر الأزواج ودلَّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة، وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب، كيف قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} وهلا قال: آيات؟ قلت: فيه وجهان: أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر أنبتنا، فكأنه قال: إن في الإنبات لآية أيّ آية. وأن يراد: أن في كل واحدة من تلك الأزواج لآية. وقد سبقت لهذا الوجه نظائر.


{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)}
سجل عليهم بالظلم بأن قدّم القوم الظالمين، ثم عطفهم عليهم عطف البيان، كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد: إن شاء ذاكرهم عبر عنهم بالقوم الظالمين، وإن شاء عبر بقوم فرعون. وقد استحقوا هذا الاسم من جهتين: من جهة ظلمهم أنفسهم بالكفر وشرارتهم، ومن جهة ظلمهم لبني إسرائيل باستعبادهم لهم. قرئ: {ألا يتقون} بكسر النون، بمعنى: ألا يتقونني: فحذفت النون لاجتماع النونين، والياء للاكتفاء بالكسرة.
فإن قلت: بما تعلق قوله: ألا يتقون؟ قلت: هو كلام مستأنف أتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار، والتسجيل عليهم بالظلم. تعجيباً لموسى من حالهم التي شنعت في الظلم والعسف، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله. ويحتمل أن يكون {أَلاَ يَتَّقُونَ} حالاً من الضمير في الظالمين، أي: يظلمون غير متقين الله وعقابه، فأدخلت همزة الإنكار على الحال. وأمّا من قرأ: ألا تتقون. على الخطاب. فعلى طريقة الالتفات إليهم، وجبههم، وضرب وجوههم بالإنكار، والغضب عليهم، كما ترى من يشكو من ركب جناية إلى بعض أخصائه والجاني حاضر، فإذا اندفع في الشكاية وحرّ مزاجه وحمى غضبه قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنف به ويقول له: ألم تتق الله، ألم تستح من الناس.
فإن قلت: فما فائدة هذا الإلتفات، والخطاب مع موسى عليه الصلاة والسلام في وقت المناجاة، والملتفت إليهم غيب لا يشعرون؟ قلت: إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم، لأنه مبلغه ومنهيه وناشره بين الناس، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى، وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين، تدبراً لها واعتباراً بموردها. وفي {أَلا يَتَّقُونَ} بالياء وكسر النون وجه آخر، وهو أن يكون المعنى: ألا يا ناس اتقون، كقوله: {ألا يسجدوا} [النمل: 25]

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8